بقلم المهندس/ طارق بدراوى
هو حي يقع في منطقة الرمل بالإسكندرية عاصمة مصر الثانية وهو يمثل جزءا هاما من التاريخ المصري الحديث منذ أن إحتضن الحي المقر الصيفي لإجتماعات مجلس الوزراء المصري في العهد الملكي لمدة تقارب الأربعين عاما وذلك قبل قيام ثورة يوليو عام 1952م وهي تمثل فترة من أخصب فترات تاريخ مصر السياسي وأكثرها حيوية وديناميكية شهدت بدايات الحكم الدستوري البرلماني للبلاد ليتوافد على بولكلي العظماء من رجالات مصر وساستها وزعمائها نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الزعماء ورؤساء النظارات والوزارات والوزراء محمد سعيد باشا وعدلي يكن باشا وعبد الخالق ثروت باشا وحسين رشدي باشا والزعيم سعد زغلول باشا والزعيم مصطفى النحاس باشا وإسماعيل صدقي باشا ومحمد توفيق نسيم باشا ومحمد محمود باشا وعلي ماهر باشا وحسين سرى باشا وأحمد ماهر باشا ومحمود فهمي النقراشي باشا وعثمان محرم باشا ومكرم عبيد باشا وفؤاد سراج الدين باشا وغيرهم الكثير من العظماء والنجباء ممن أنجبتهم مصر في كافة المجالات …..
ويقع حي بولكلي ما بين منطقتي رشدي ومصطفى كامل باشا من جهة الغرب ومنطقتي فلمنج وجليم من جهة الشرق ويتقدمه شمالا شاطيء من أجمل شواطيء الإسكندرية يعد الإمتداد الطبيعي له وهو شاطيء ستانلي الساحر حيث الخليج الصغير الذى يشتهر بهدوء مياهه وزرقتها الصافية المسمي خليج ستانلي والذى زاد رونقه بريقا مع تشييد كوبري ستانلي بنهاية القرن العشرين الماضي وتمتد منطقة بولكلي عبر مثلث يشمل ثلاث محطات لخط ترام الرمل رأسه في الغرب حيث المحطة الكبرى التي تعرف بمحطة إيزيس حالياً وكانت هي المحطة النهائية لخط ترام الرمل عند إنشاء الخط حينما كانت تعرف بإسم محطة بولكلي حيث يتفرع عندها الخط إلى فرعين خط باكوس في الجنوب الشرقي وخط جليم في الشمال الشرقي وتقع قاعدة المثلث ما بين محطة ترام الوزارة في إتجاه خط باكوس وسميت المحطة بالوزارة نسبة إلى مبنى المقر الصيفي لمجلس الوزراء والذي يقع في مقابل محطة ترام الوزارة مباشرة وكذا محطة ترام الهدايا في إتجاه منطقة جليم وذلك نسبة إلى مسجد الهدايا الذي يقع بالقرب من المحطة …..
ومسمى بولكلي مسمى غريب يختلف الكثيرون حول سبب إطلاقه على تلك المنطقة فيرجعه البعض إلى وجود أحد العاملين بالقنصلية الإنجليزية والتي كان يقع مبنى سكن قنصلها بالقرب من ذات المنطقة في أبو النواتير جنوبا وهي منطقة كفر عبده حاليا وهو الأمر الذي لم يثبت في أي من المراجع التاريخية الشهيرة ولكنه من الثابت تاريخيا أن تلك المنطقة التي يطلق عليها الآن بولكلي كانت تقع في ذات المكان الذي كانت تقع فيه مدينة صغيرة تنتمي للعصر البطلمي كانت تسمى نيكوبوليس ومعناها النصر على شاطيء البحر وتبعد عن الإسكندرية بـمسافة 30 غلوة حسبما يذكر إسترابون وبـمسافة 20 غلوة حسبما يذكر يوسيفوس وقد سميت كذلك نسبة إلى الإنتصار الذي أحرزه أوكتافيوس أغسطس علي مارك أنطونيو في معركة أكتيوم البحرية التي كانت بسواحل الإسكندرية وكانت تقام هناك إحتفالات بهذه المناسبة مرة كل خمس سنوات ويؤكد ذلك محمد رمزي في قاموسه الجغرافي للبلاد المصرية حيث يذكر في الجزء الخاص بالبلاد المندثرة البائدة في حديثه عن مدينة نيكوبوليس إنها وردت في جغرافية إسترابون بهذا الإسم نيكوبوليس Nicopolis وقال إنها كانت على فرع كانوب الموصل للإسكندرية وكان بها دور كثيرة للملاهي ومن هذا الوصف يتبين أن نيكوبوليس كانت واقعة على ترعة المحمودية غربي كوبري حجر النواتية ولكن الأستاذ برشيا لما تكلم عنها في صفحة 73 من كتاب دليل مدينة الإسكندرية ومتحفها اليوناني الروماني قال إن مدينة نيكوبوليس ومعناها مدينة النصر أنشئت في عهد الإمبراطور أوغسطس قيصر تذكارا لإنتصاره على مارك أنطونيو ثم قال إن هذه المدينة كانت واقعة في المنطقة التي تعرف اليوم ببولكلي في المسافة الممتدة على شاطيء البحر الأبيض المتوسط ما بين ثكنات مصطفى كامل باشا وبين جليمنوبولو برمل الإسكندرية وهكذا إنتهى حديث محمد رمزي ليؤكد لنا أن نيكوبوليس هي ذاتها منطقة بولكلي بينما يذكر علي باشا مبارك في خططه في معرض حديثه عن مدينة الإسكندرية حول ذات المنطقة ومعنى كلمة نيكوبوليس مدينة النصر وإستكشف بها في هذه الأزمنة معبد قريب من المحل المعروف عند الأهالي بقصر قيصر والغالب أنه من ضمن النيكوبوليس وكان بعد هذه الناحية ناحية أخرى تسمى بوكليس وكانت منازلها منها ما هو على البحر ومنها ما هو على الخليج الحلو وكانت محل تنزه وتفسح وكان الخليج المذكور على يمين الخارج من باب كانوب بناء على قول إسترابون ومن هذا يمكننا القول بأن منطقة بولكلي الحالية هي ذات المنطقة التي ضمت مدينة نيكوبوليس وكذا ناحية بوكليس والتي يوردها أيضاً محمد رمزي في قاموسه الجغرافي فيذكر إنها كانت شرقي نيكوبوليس بالرمل من ضواحي الإسكندرية وهكذا كانت بوكليس هي ذات المنطقة والتي قد تكون قد حرف إسمها بعد ذلك ليتحول على اللسان العربي إلى بولكلي وإن كان السكندريين يطلقون على بولكلي لفظهم المحبب المخفف الدارج بوكلة ولعل ذلك هو الأقرب إلى الصواب لتظل دائماً بولكلي أو بوكلة منذ تأسيس مدينة الإسكندرية في العصر البطلمي وحتى العصر الحديث محلا للأحداث والتاريخ ولتسطر بذلك صفحة من صفحات التاريخ في الإسكندرية عاصمة مصر الثانية ……
ويمثل حي بولكلي محطة هامة من محطات التاريخ السكندري الحديث فيذكر المؤرخون إن أول خط حديدي لترام الرمل إمتد من محطة الرمل جهة مسلة كليوباترا سابقا إلى منطقة بولكلي حيث منحت الحكومة المصرية السيد إدوارد سان جون فيرمان في يوم 16 أغسطس عام 1860م في عهد محمد سعيد باشا الذى حكم مصر من عام 1854م حتي عام 1863م إمتيازا لإنشاء هذا الخط وذلك في إطار تعميرها لمنطقة الرمل لتتأسس شركة مساهمة عام 1862م لإنشاء ذلك الخط ليفتتح في يوم 8 يناير عام 1863م قبل وفاة محمد سعيد باشا بأيام قليلة وذلك بغرض نقل الجماهير بقطار واحد من الإسكندرية وتحديدا من محطة الرمل إلى محطة بولكلي عن طريق جامع سيدي جابر وبقطار مكون من عربة واحدة درجة أولى وعربتان درجة ثانية وعربة درجة ثالثة حيث كان القطار يجر بأربعة خيول تم إستبدالها في يوم 22 أغسطس عام 1863م بعد تولي الخديوى إسماعيل حكم مصر بحوالي 7 شهور بقاطرة بخارية لتقوم بجر القطار بدلا من الخيول ولتقطع المسافة ما بين محطة الرمل ومحطة بولكلي في عشرين دقيقة ولتصبح بولكلي المحطة النهائية الرئيسية لخط ترام الرمل وإلي أن يتم مده بعد ذلك إلى محطة السراي حيث تقع سراي الرمل مكان فندق المحروسة للقوات المسلحة حاليا والتي أنشأها الخديوي إسماعيل بعد ذلك لتظل محطة بولكلي وللآن والتي تسمي محطة إيزيس حاليا تحمل ذات السمات لمحطة كبرى رئيسية حيث يتفرع خط ترام الرمل عندها إلى فرعين رئيسيين ولاتزال الورش الخاصة بالترام تحتل ذات المنطقة التي شهدت منذ حوالي قرن ونصف قرن بدايات الربط الحديدي الداخلي للترام بمدينة الإسكندرية …..
وكما كان لتلك المنطقة الريادة في التوجيه لتعمير منطقة الرمل ومناطق شرق المدينة شهدت أيضا قيام الحكومة المصرية برئاسة محمد سعيد باشا رئيس النظار أى رئيس الوزراء بشراء مقر للوزارة بذات المنطقة بولكلي وذلك في يوم 13 يوليو عام 1913م في عهد الخديوى عباس حلمي الثاني ليصبح مقرا لإجتماعات مجلس النظار طوال أشهر الصيف حيث كانت العادة قد جرت منذ عهد محمد علي باشا أن تنتقل كافة مصالح وهيئات الدولة لتقضي الصيف في الإسكندرية لتصبح مدينة الإسكندرية العاصمة الصيفية لمصر وفي ذلك يذكر علي باشا مبارك في خططه وللآن الحكومة الخديوية في زمن الخديوي توفيق وكذا من سبقهم من العائلة العلوية جارية على هذه السنن التي سنها محمد علي باشا من الإنتقال إلى مدينة الإسكندرية في زمن الحر ويتبع ذلك إنتقال الدواوين فيقيمون ثلاثة أشهر في رأس التين ثم يعودون إلى القاهرة وهذا ما كان متبعا في تلك الفترة ومع بداية عهد النظارات في مصر في عصر الخديوي إسماعيل كانت المشكلة في تحديد مقر للإجتماعات الصيفية لمجلس النظار وذلك منذ نظارة نوبار باشا الأولي في شهر أغسطس عام 1878م وحتى تم شراء هذا المقر بمنطقة بولكلي ليصبح مقرا للوزارات المصرية المتعاقبة في الصيف ولتشهد بولكلي تعاقب رؤساء النظارات والوزارات والوزراء وزعماء مصر السياسيين في تلك الفترة الخصبة من التاريخ المصري الحديث وحتى قيام ثورة يوليو عام 1952م حيث تم في أعقابها إلغاء مصيف الوزارة بالإسكندرية لأول مرة منذ نشأة النظارات والوزارات المصرية وفي ذلك يذكر الرافعي قررت الوزارة ويقصد وزارة علي ماهر باشا وهي أول وزارة بعد ثورة يوليو عام 1952م بجلسة يوم 24 يوليو عام 1952م إلغاء تصييف الحكومة بالإسكندرية وإنتقالها إلى القاهرة بداية من يوم الإثنين 28 يوليو عام 1952م وعقد أول إجتماع لمجلس الوزراء بالقاهرة صيفا يوم الأربعاء 30 يوليو عام 1952م ومن يومها ألغى مصيف الوزارة بالإسكندرية ليبقى المبنى قائماً ببولكلي وللآن حيث يتبع رئاسة مجلس الوزراء ويتبقى المسمى فقط للمكان حيث تسمى محطة الترام الواقعة أمام مبنى المقر ببولكلي بإسم محطة الوزارة …..